مناجاة المحسنين فى الخلوات
يعمر الصالحون خلواتهم بالعبادة والذكر والمناجاة، ورفع الشكاوى الى مولاهم البر الرحيم ،واستمطار رحمته وغيا ثه عزوجل.
وهذه محاوله لرصد شىء مما أثر عنهم في مناجاتهم ربهم فى الخلوات، لعل القلوب تخشع، والعيون تدمع، والجوارح تذل وتخضع.
فإن كثيراً من الناس قد تنقدح فى نفسه المعانى لكن تقصر عباراته عن
الإفصاح عنها، فإذا وقف على من فتح عليه هذا الباب، وصادف عنده جرح قلبه
ومعاناة نفسه؛ انتفع بها، كما أن من أعتاد مناجاه ربه عزوجل فى الخلوات
ذاق من حلاوة المعرفة ولذة المناجاة ما تتصاغر معه الدنيا بما فيها، حتى
قال بعضهم (إنه ليكون لي إلى الله حاجة؛ فأدعوة، فيقع لي من لذيذ معرفته
وحلاوة مناجاتة ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتى خشية أن تنصرف نفسي عن
ذلك ،لأن النفس لا تريد إلا حظها، فإذا قضي أنصرفت).(1)
ولا شك أن الثناء على الله عز وجل ودعاءه بما صح عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم هو الأفضل مطلقا والأحسن والأسلم ،لكن يبقى دعاء الصالحين فى
دائرة المباح بشرط سلامته من التكلف والتعدي ومخالفة العقيدة الصحيحة.
قال الأمام النووى -رحمه الله عليه -فى شرح قول النبي صلى الله عليه
وسلم ثم يتخير من المسألة- وفى لفظ: من الدعاء ما شاء ) (وفيه أنه يجوز
الدعاء بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، ما لم يكن اثماً، وهذا مذهبنا
ومذهب الجمهور)،
وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى-: (لا يجوز إلا بالدعوات الوارده فى القرآن والسنة).(2)
ولا شك أن باب الدعاء توفيقى لا ينبغي الخروج فيه عما رسمه الشارع في
الجملة، والمقصود بالدعاء هنا الأدعية الراتبة التي تتكرر، ويلازمها
المكلف، أو التى تختص بوقت معين، أو وظيفة معينة ،أو صفة معينة.
أما مطلق الأدعيه التي تحصل من المكلف بدون تحر وملازمة؛ فهي ليست
توفيقية، لكن الأفضل الالتزام بالمأثور وإلا فقد استبدال الداعي الذى هو
أدنى بالذى هو خير.
قال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: (الأذكار والدعوات
من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على الاتباع، وليس لأحد أن يسن منها
غير المسنون، ويجعله عادة راتبة يواظب الناس عليها، بل هذا ابتداع دين لم
يأذن به الله، بخلاف ما يدعو به المرء أحياناً من غير أن يجعله سنة).(3)
فشرط التعامل مع هذه المناجاة: أن تقرأ بصفة عابرة دون أن يواظب عليها،
ويجعلها شعاره ودينه كأنها سنة، وأن لا ينشغل بها عن دعوات القرآن الكريم،
والسنة الشريفة.
وهذه من بعض تلك المناجاة
*اللهم إني أسألك بعزك مع ذلي إلا رحمتني، وأسألك بقوتك مع ضعفي، وبغنائك
مع فقري إليك، هذه ناصيتى الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير
،وليس لى سيد سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين،
وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من
خضعت لك رقبته، ورغم لك انفه ،وفاضت لك عينه، وذل لك قلبه.
*إلهى سائل ببابك انقضت أيامه، وبقيت آثامه، وانقضت شهواته، وبقيت تبعاته، ولكل ضيف قِرى فاجعل قِراي الجنة.
*اللهم إنى أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك لما جعلته لك
على نفسي فلم أوف لك به، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك، فخالط قلبي
ما قد علمت.
*اللهم ما رزقتني مما أحب، فاجعله عونا لي على ما تحب، ومازويت عني مما أحب؛ فاجعله فراغا لي فيما تحب.
*اللهم يسرني لليسرى، وجنبنى العسرى، واغفر لى فى الآخرة والأولى، واجعلنى للمتقين إماما.
*اللهم وما قصر عنه رأيي، وضَعُف عنه عملي وعلمي ، ولم تبلغه من مسألتي
،من خير وعدته أحداً من خلقك، أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك، فإنى أرغب
إليك فيه، وأسألك إياه، برحمتك يارب العالمين.
*يا من هو أقرب من حبل الوريد، يا فعالاً لما يريد، يامن يحول بين المرء
وقلبه، حل بيننا وبين من يؤذينا بحولك وقوتك ،ياكافي كل شيء ,ولا يكفى منه
شيء ، اكفنا مايهمنا من أمر الدنيا والآخرة،يا أرحم الراحمين.
*اللهم اجعل لى وللمسلمين من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية.
*اللهم من كان من هذه الأمة على غير الحق، وهو يظن أنه على حق؛ فرده إلى الحق،ليكون من أهل الحق.
*اللهم جنبنا مضلات الفتن ،واعصمنا من المحن، واغفر لنا ذنوبنا التي جنيناها في السر والعلن، إنك قريب مجيب.
*اللهم إنى اسألك إيماناً يباشر قلبى، ويقينا صادقاً ،حتى أعلم أنه لن
يصيبني إلا ما كتبت لي،وأن ما أصابني لم يكن ليخطئنى ،وما أخطأني لم يكن
ليصيبني.
*اللهم إني أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض؛ أن تجعلني فى حرزك وحفظك ، وجوارك، وتحت كنفك.
*اللهم اجعلنى من أكثر عبادك نصيباً فى كل خير تقسمه، ونور يهدي، ورحمة تنشرها ، ورزق تبسطه، وضر تكشفه، وبلاء ترفعه، وفتنة تصرفها.
*اللهم اجعل لساني بذكرك لهجاً، وقلبي بحبك متيماً،ومن على بحسن
إجابتك،وأقلني عثرتي، واغفر لي زلتي، فإنك أمرت عبادك بدعائك، وضمنت لهم
الإجابة،فإليك يارب نصبت وجهي، ومددت يدي،فبرحمتك استجب دعائي،ولا تقطع
رجائي،اللهم إني أبرأ إليك من حولي وقوتى، وألجأ إلي حولك وقوتك، اللهم
ألبسني العافية حتى تهنيني بالمعيشة،واختم لي بالمغفرة حتى لا تضرني
الذنوب،واكفني كل هول دون الجنة حتى تبلغنيها،برحمتك يا أرحم الراحمين.
*اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه،وأوله وآخره وظاهره وباطنه،والدرجات العلى من الجنة.
*يا من وسعت رحمته كل شيء ؛أنا شيء، فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين.
*اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف علي كل غائبة لي بخير.(أى
اجعل لي عوضاً حاضراً عما غاب علي وفات، أو لا أتمكن من إدراكه)
*اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها،ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.
اللهم إني اشكو إليك حاجة لا يحسن بثها إلا إليك، وأستغفر منها، وأتوب إليك.
* إلهى خيرك إلي نازل، وشري إليك صاعد، وكم من ملك كريم قد صعد إليك مني
بعمل قبيح، أنت مع غناك عني تتحبب إلي بالنعم،وأنا مع فقري إليك
وفاقتي؛أتمقت إليك بالمعاصي، وأنت في ذلك تجبرني وتسترني وترزقني.
*اللهم ما مننت به فتممه، وما أنعمت به فلا تسلبه، وما سترته فلا تهتكه،وما علمته فاغفره.
(1) انظر مجموع الفتاوى (334/10 )،(22/385)
(2)(شرح النووي لصحيح مسلم) (4/117)
(3)(ملحق مصنفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب)
الموضوع منقول من كتيب للدكتور محمد أحمد إسماعيل المقدم مناجاة المحسنين فى الخلوات